قدمنا في المنشور السابق نصائح مهمة للمترجمين الذين يحبون احتراف الترجمة والارتفاع في سلّمها إلى أعلى الدرجات، ونقدم اليوم نصيحة ذهبية نعتبرها فيصلاً بين المترجمين المبتدئين والمترجمين الجيدين.
لنتعرف أولاً على أنواع الترجمة المختلفة.
النوع الأول هو ترجمة كلمات بكلمات. وهي طريقة سيئة لنقل نص أجنبي إلى اللغة العربية، لأن لكل لغة من اللغات أبنيتها الخاصة وسياقات كلماتها التي تختلف -تركيباً وتقديماً وتأخيراً- عن اللغات الأخرى. ويؤسفنا أن هذا النوع من الترجمة شائع جداً في الكتب والمجلات والأفلام حتى ليكاد يمثل ثلاثة أرباع المادة اللغوية المعرَّبة التي يستقبلها الإنسان العربي المعاصر، وهذه الطريقة في الترجمة مسؤولة بدرجة كبيرة عن انحدار الذوق الأدبي وتغير أساليب التعبير العربية وتَلَبّسها بعُجمة لا تَخفَى على الذين ألِفوا قراءة النصوص العربية البليغة الأصيلة.
الدرجة الأعلى في الترجمة هي “ترجمة الجُمَل”، وفي هذه الحالة تُنقل كلمات الجملة الأصلية إلى اللغة العربية ولكن دون نقل ترتيبها، بل يعاد رَصْفُها في الجملة العربية باتباع الذوق العربي. هذه الترجمة يتقنها أكثر المترجمين الجيدين المحترفين، بتفاوت في الجودة وفي القدرة على نقل الجملة من البناء الأجنبي إلى البناء العربي. وهي ترجمة جيدة، ولكنها ليست الأجود بإطلاق.
الطبقة الأعلى على الإطلاق هي “ترجمة الكلام”، ولا يقدر عليها إلا قلّة من المترجمين المحترفين. في هذا النوع من الترجمة يقرأ المترجم الفقرة كلها ليستوعب ما يريد الكاتب قوله، وبعد ذلك يكتب النص -كما فهمه- بالكلمات العربية وبالسياق العربي.
الفرق بين الطريقة الأخيرة والتي قبلَها أن المترجم لا يتقيّد بالمعنى القاموسي المباشر لكل كلمة من الكلمات بالضرورة، بل يستبدل بها غيرَها مما هو أقرب للتعبير عنها بالذوق العربي. وهذه مسألة دقيقة لا يلاحظها كثير من الكتّاب والقراء، وهي أن كل كلمة في أي لغة لها في اللغة الأخرى مرادف يعبّر عنها (بالتقريب، أما الترادفُ الكامل بين اللغات فيكاد يكون من المستحيلات) ولكنّ تركيب الكلمات معاً في كلام متكامل لا يُترجَم بالضرورة بالكلمات المرادفة ذاتها، بل كثيراً ما يكون للجُمَل والتعبيرات المختلفة مقابل أفضل في اللغة التي يُترجم إليها النص.
ولعل اهتمام “الأجيال” بهذه المسألة تحديداً (وهو اهتمام يتكامل فيه عملُ المترجم مع عمل رئيس التحرير) هو الذي منح “الأجيال” هُويتها الأدبية المتميزة، وهو الذي جعل مئات القراء يكررون الجملة نفسها: “إننا نشعر -ونحن نقرأ رواياتكم المترجَمة- أنها كُتبت باللغة العربية ولم تترجَم إليها من لغة أجنبة أخرى”.