كثيراً ما يُطرح علينا هذا السؤال، ولما كان رئيس التحرير مدمناً على قراءة روايات أغاثا كريستي من أيام شبابه المبّكر فقد طلبنا منه أن يكتب الجواب بنفسه، وهذا هو جوابه:
عندما يسألني الناس عن العمر المناسب لقراءة هذه الروايات أجيب بأنها يمكن قراءتها من بداية المرحلة المتوسطة، وقد قرأتُها أنا أولَ مرة وأنا في الثالثة عشرة، ولكني -مع ذلك- أميل إلى التوصية بعدم قراءتها قبل الرابعة عشرة. لماذا؟ لأن الاستمتاع الكامل بها يعتمد على الفهم الجيد لها، وهي روايات ذات عُقَد عميقة وحبكات قوية وشخصيات كثيرة وحوادث متداخلة، فلا بد أنها تحتاج -إذن- إلى قدر كاف من الذكاء والإدراك لاستيعابها والاستمتاع بها، وأخشى أن يقرأها مَن لم يملك بَعدُ أدوات الاستيعاب الكافية فيَمَلّها وينفر منها، فيُعرض عنها ثم لا يعود إلى قراءتها في سنوات عمره التالية.
إذن فإن الجواب يعتمد على مقدار ما يأنسه المرء في نفسه أو الوالدان في أولادهما من نباهة وذكاء، فإنْ كان المرء فوق المستوى الوسطي وأكثرَ ذكاء من أقرانه فلا عليه أن يقرأها في وقت أبكر، وما على الوالدِين أن يختاروها لأبنائهم إن كانوا كذلك، لا سيما وأنها نظيفة أخلاقياً وقوية لغوياً وبيانياً مما يساعد على تحسين اللغة والأسلوب.
وأذكر حادثة وقعت معي من نحو ربع قرن أسردها في هذا المقام لفائدتها وطرافتها: كنت أشتغل ذات يوم بمراجعة وتحرير رواية “جريمة في ملعب الغولف” وقد تركت الأوراق على مكتبي وانصرفت لبعض شأني (وكانت الترجمة والمراجعة تجري كلها على الورق في تلك الأيام) فجاء ابن أخي فجلس إلى المكتب وقرأ الرواية كلها في بضع ساعات، وكان لمّا يُتِمَّ الثالثة عشرة ولكنه يفوق أقرانه في النباهة والذكاء، وقد فهمها واستمتع بقراءتها، ثم بقي محباً لروايات أغاثا حريصاً على اقتنائها وقراءتها منذ ذلك الحين.