من الحكايات التي يتناقلها طاقم الدار هذه الحكاية التي وقعت قبل سنوات طويلة وأسّسَت واحدة من أهم القواعد التي تنتهجها دار الأجيال في تعاملها مع أصدقائها القراء
في أحد معارض الكتب التي شاركنا فيها في السنوات الأولى من عمر “الأجيال” تصادف وقوف صاحب الدار في الجناح حين وصلت فتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها وفي يدها مجموعة روايات اشترتها من الجناح في وقت سابق، وقد بادرت موظفَ المبيعات بطلب إعادة المجموعة وبدأت بسرد بعض الأعذار المختلَقة لتبرير طلب الإعادة
نظر البائع إلى صاحب الدار كأنه يطلب منه الرأي، فقال للفتاة: هل ترغبين بإعادة الكتب واسترجاع نقودك؟ فأجابت بالإيجاب بلهفة ممزوجة بالقلق من احتمال عدم إجابة طلبها وعادت تشرح الأسباب التي تبرر الإرجاع. فقال لها: لا بأس يا ابنتي، أنت لست بحاجة لأي سبب، يكفي أن ترغبي بإلغاء الصفقة وسوف تسترجعين نقودك كاملة. كم دفعتِ ثمناً للكتب؟ قالت: كذا. فأشار إلى موظف الجناح أن يستلم منها الكتب ويسلمها المبلغ كاملاً بلا نقاش
كانت تلك الحادثة فرصة لتوضيح سياسة دار الأجيال التي حرص مؤسسها على شرحها لموظفي الجناح يومها ثم صارت تراثاً وتقليداً ينقله كل قديم من طاقم الدار لكل جديد: إن دار الأجيال تحرص على أن لا تكون كتبها عبئاً على أحد، وإيُّما زبون اشترى منا أيّ كتاب ثم رغب بإعادته لأي سبب فلا تماطلوه ولا تتعبوه؛ استرجعوا منه البضاعة وأعيدوا له الثمن بلا بلا نقاش. المهم أن تعود الكتب بحالتها الأصلية لكي نستطيع إعادة بيعها وأن تعاد خلال أسبوع من وقت الشراء
وفي هذا السياق أحببنا أن نحكي قصة مؤسفة حصلت معنا، وسوف نسردها كما وقعت دون أن نسمي أحداً حتى لا نقع في إثم التشهير. ذات يوم اتصلت زبونة بقسم المبيعات وطلبت إعادة مجموعة اشترتها منذ عدة أشهر، وكان الجواب أن هذا غير ممكن لأن الفترة طويلة جداً، فألحَّت وتوسلت فرقَّ قلبُ المندوب ونقل الطلب إلى صاحب الدار الذي لم يكن قلبُه أقلّ رقةً فقال: استرجعوا الكتب وردوا إليها قيمتها بشرط أن تكون سليمة
فلما وصلت الكتب اكتشفنا أن بعضها في حالة بائسة مزرية وكأنها شاركت في حملة نابليون على موسكو والبقية في حالة متوسطة، فعُرض الأمر على صاحب الدار فقال: لن نتراجع عن وعدنا. اخصموا قيمة الكتب المدمَّرة وحولوا لها قيمة البقية كاملة، ولعلنا نبيعها بنصف سعرها وأجرنا على الله. فلما وصلتها الحوالة ناقصة مشفوعة بتوضيح كامل ردت علينا بهجاء سفيه واتهمتنا بالنصب والاحتيال، فقال صاحب الدار: لا تردوا عليها واحظروها، فقد عاملناها بأخلاقنا فعاملتنا بأخلاقها وعند الله يجتمع الخصوم