لأننا نهتم
نهتم بالإتقان، ونهتم بالتفاصيل، ونهتم برضا أصدقائنا القراء
(5) اختيار العنوان (القسم الثاني)
قلنا في المنشور الماضي أن بعض العناوين كانت ترجمته سهلة ومباشرة، وبعضها الآخر احتاج لتصرف بسيط، ومنها ما اضطررنا لتحويره بالكامل ليصبح عنواناً مقبولاً للرواية.
من الصعوبات الأخرى التي واجهناها في بعض العناوين أن فيها كلمة ليس لها معنى مباشر في اللغة العربية، ومن ذلك رواية “مبنى الرجل الميت” (Dead Man’s Folly)، فكلمة (folly) الإنكليزية ليس لها مقابل عربي، وهي تشير لأي مشروع بناء يبدأ به صاحبه دون تقدير نفقاته الحقيقية ثم يعجز عن إكماله فيبقى هيكلاً بلا كسوة وإكمال. المفردة مشتقة في اللغة الإنكليزية من صفة الحمق، لذلك عرّبتها بعض القواميس العربية بكلمة “حماقة”، ولكن من الواضح أن هذه المفردة لا تدلّ على المعنى المطلوب ما لم يرافقها توضيحٌ طويل، لذلك استقر الرأي -بعد مدوالات مطولة- على كلمة “مبنى” بكل بساطة، تاركين للقراء معرفة المزيد من خلال الرواية ذاتها.
وبالمناسبة فقد استخدمنا كلمة “حماقة” عنواناً لقصة قصيرة (من قصص مجموعة “مغامرة كعكة العيد”) فجعلنا عنوانها “حماقة غرينشو” (Greenshaw’s Folly) لأن توضيح المعنى كان سهلاً من خلال تحوير بسيط في النص في الصفحة الثانية من القصة، حيث أضاف المحرر الشرحَ بطريقة مناسبة في السياق: “ومن هنا أتى اسم “حماقة غرينشو”، فأنت تعلم أن الإنكليز يطلقون كلمة “حماقة” على أي بناء ضخم كثير التكاليف، ولا سيما إذا عجز صاحبه عن إتمامه لضخامة تكاليفه، وكأنهم يعنون أن بناء شيء كهذا ليس إلا ضرباً من الحماقة”.
ومن العناوين ما اعتُمد بعد مناقشات مطولة دون أن يحوز على الرضا الكامل، كعنوان رواية: “خطر في البيت الأخير” (Peril at End House) لأن المقصود هو بيت اسمه “End House” وليس صفة له. وكما يلاحظ قراء روايات أغاثا كريستي دائماً فإن كثيراً من البيوت لها أسماء، وهي “عادة بريطانية” قديمة تعود جذورها إلى القرون الوسطى عندما بدأ عُلّيّة القوم بتسمية قصورهم وقلاعهم، ثم بدأت العامة بمحاكاة هذا التقليد حتى صار تقليداً إنكليزياً شائعاً، وبقي هو الطريقةَ الوحيدةَ لتحديد مواقع البيوت حتى أقر البرلمان قانون ترقيم الأبنية عام 1765.
فإذا كان “إند هاوس” في عنوان الرواية اسماً لبيت فما أفضل طريقة لترجمته؟ كما هو مقرر في قواعد الترجمة فإن الأسماء لا تُترجَم، فلو ترجمنا -مثلاً- قصة عربية إلى الإنكليزية وكان اسم بطَلَيها “كريم” و”حسناء” فسوف نكتب الاسمين بلفظهما بالحروف الأعجمية (Kareem) و(Hasna) ولن نكتبهما بمعناهما الإنكليزي (Generous) و(Belle)، إلخ. إلا أن لاسم (End House) في هذه الرواية معنى مهماً لأنه آخر البيوت على الجرف الصخري، وقد اختارته المؤلفة لتكريس هذا المعنى، بحيث يتصور القارئ -كلما قرأ الاسم- بيتاً قَصيّاً معزولاً قائماً على الصخور المشرفة على البحر. لهذا السبب اخترنا ترجمة الاسم وجعلنا عنوان الرواية “خطر في البيت الأخير” في سبيل المحافظة على الإيحاء نفسه الذي أرادته المؤلفة.
(يتبع القسم الثالث في منشور الغد)