أردنا لهذه الطبعة أن تخرج متميزةً في سلامة لغتها وصحة صياغتها وقوة أسلوبها، فبذلنا في تحريرها غاية الجهد وأقصى الاهتمام، واضطررنا -في سبيل ذلك- إلى مراجعة المادة المترجَمة مرةً بعد مرة، غيرَ عابئين بما نصرفه من وقت أو نبذله من طاقة، حتى وصلنا إلى ما نحسبه عملاً مقبولاً يرضى عنه القارئ ويُرضينا نحن عن أنفسنا.
وقد أحببنا أن نضع بين يدي القارئ هذه الملاحظات حول الأسلوب الذي اتبعناه في المراجعة والتحرير:
ففي اللغة نَهَجْنا اعتمادَ الفصاحة بلا تكلّف، فاعتمدنا من الألفاظ الدائرة على ألسنة الناس ما وافق العربية، وتجنبنا كل لفظ غريب. وفي هذا المقام كرّسنا ما اعتمده مجمع اللغة العربية ووافق عليه مما ورد في معجمه “الوسيط”، مثل “السَّلَطة” و”الكُشك”، ومثل قولهم: “سرَّحَ العامل” (بمعنى أخلاه وصرفه من عمله) و”أشَّرَ على الكتاب” (أي وضع عليه إشارة برأيه)، ومثل هذا كثير.
وقد تنبّهنا إلى بعض المفردات مما يُخلَط فيه بين المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، “فالمستشفى” مذكّر يُؤنَّث خطأً، و”الحماس” بالتذكير لفظ غير موجود في اللغة، بل هي “الحماسة” بالتأنيث، والرأس مذكّر لا يجوز تأنيثه (كما يشيع في الكتابات المصرية خاصة).
وكذلك تنبّهنا إلى بعض ما درَجَ على الألسنة والأقلام من مفردات غير صحيحة، فأبدلنا بها ما صحَّ وسُمِعَ عن العرب في هذا المقام، مثل قولهم: “خصّيصاً” والصواب “خصوصاً”، و”جاؤوا سويّةً” والصواب “جاؤواً معاً” لأن “سويّة” تعني الاستواء والعدل (كقولك: قسمت المال بينهم بالسوية)، و”المجوهرات”، وهو جمع غريب لم يُسمَع، والصحيح “الجواهر”، ومثل ذلك كثير.
وفي أسماء الشهور اخترنا كتابة الاسم العربي للشهر متبوعاً بالاسم الأعجمي بين قوسين، لأن من بلدان العرب (مع الأسف) من لا يعرف أهلها أسماءَ الشهور العربية، كأهل مصر وأكثر بلاد الجزيرة العربية وبلدان المغرب العربي كلها. فنكتبها بهذه الطريقة: حزيران (يونيو)، تشرين الثاني (نوفمبر)، إلخ.
وفي الإملاء: كتبنا “إذن” بالنون مطلقاً، عملت أو لم تعمل، وهو مذهب الأكثرين من أهل اللغة، وكان المبرّد يقول: “أشتهي أن أكوي يد مَن يكتب إذن بالألف، لأنها مثل أن ولن”.
وفي بعض الألفاظ التي يجوز فيها الوصل والفصل (مثل: قلَّ ما) اخترنا الوصل مطلقاً فكتبناها: “قلّما” أسوةً بأمثالها؛ فقد اتفقوا على أن يكتبوا بالوصل “ممّا” (من ما) و”عمّا” (عن ما) و”إلّا” (إن لا)، ومثلها: “إنّما” و”حيثما” و”كيفما”، إلخ.
واخترنا في لفظ “مئة” كتابتها من غير ألف، وهو رأيٌ لكثير من العلماء نقله السيوطي في “همع الهوامع” واعتمده عبد الغني الدقر في “معجم قواعد اللغة العربية”، قال: “وهو أقرب إلى الصواب”. وفي عدد المئات (كثلاثمئة وخمسمئة، الخ) اخترنا كتابتها متصلةً غير منفصلة (لا كما يفعل بعضهم فيكتبونها: ثلاث مئة وخمس مئة، إلخ).
وحرصنا -في الطبع- على أن تُثبَت همزات القطع وتُحذَف همزات الوصل، وهو الصحيح في الكتابة. وحرصنا على عدم الوقوع في الخطأ الذي يقع فيه كثيرٌ من الطابعين إذ يخلطون بين الألف المقصورة والياء المتطرفة في آخر الكلمة فينقطون الاثنتين أو يجردونهما كلتيهما من النقط، ومثل ذلك بالنسبة للتاء المربوطة والهاء المتطرفة. وحرصنا -أيضاً- على إثبات تنوين الفتح مطلقاً، وأثبتنا تنوين الضم والكسر في كل حالة خشينا فيها الالتباس.
وكذلك أثبتنا علامات الشَّكل الأصلية (الفتحة والضمة والكسرة والسكون) في كل حالة يُخشى فيها الالتباس، كالتفريق بين الفعل المبني للمجهول والمبني للمعلوم، وبين فعلَي المضارع والأمر، والمثنى وجمع المذكر السالم في حالَي النصب والجر، وغير ذلك. وحرصنا على إثبات الشَدّة -خصوصاً- في غير المواضع المدرَكة سليقةً، إذ هي دلالة على حرف محذوف.
أما علامات الترقيم (من نقطة وفاصلة وعلامة استفهام وغيرها)، فقد أوليناها كل عناية ممكنة، فهي -كما سمّاها بعض الأدباء- “علاماتٌ للتفهيم”، بها يتم المعنى ويَضِحُ المقصود. واتّبعنا في تحديد العلامات ومواضعها الأصولَ التي اعتمدها أهل البحث واللغة، وعلى رأسهم العلامة أحمد زكي باشا في كتابه القيّم “الترقيم وعلاماته في اللغة العربية” مع بعض التصرف بما يوافق الأصول الحديثة المتّبَعة في عالَم النشر في هذا العصر.
وأخيراً نظرنا في كتابة الحروف الأجنبية التي ليس لأصواتها مقابل في لغتنا العربية، فوجدنا القوم قد اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً.
فأما الباء الشديدة (p) فقد كتبوها باء بثلاث نقاط، فاعتمدنا لها الباء العادية، إذ ليس من المتيسّر في الصف والطباعة توفير باء مثلثة، كما أن هذا الرسم غيرُ متفَقٍ عليه ولا هو معتمَد من جهة علمية ذات شأن كمجمع اللغة العربية. وكذلك فعلنا في الحرف (v) فكتبناه فاء عادية بنقطة واحدة.
أما الحرف الذي أثار أكبر اضطراب فهو الحرف (g) الذي يسمّونه “جيماً مصرية”. فلأجل نطق أهل مصر الجيم بهذا الصوت اعتمد له كثيرون صورة الجيم، ولكن لو تأمّلت مَخرَج هذا الحرف ومَخرَج الجيم لوجدتهما متباعدَين تباعداً بيّناً، ولوجدت أن ما يقاربه في لغتنا مَخرجاً (في النطق) هي الغين والقاف والكاف. وقد كان هذا الصوت يُكتَب -فيما نُقل قديماً عن الفارسية- كافاً فوقها خط، وهي صورة لم يُتّفَق عليها فماتت واندثرت. وأهل الخليج يكتبون -اليوم- هذا الصوت قافاً، ويكتبه آخرون غَيْناً، وهو ما اخترناه لما وجدنا من قوة الدليل عليه. وانظر كيف كتبوا أكثر ما عرّبوا من أسماء البلدان كذلك فقالوا: “البرتغال” و”غانا” و”السنغال” و”بلغاريا” و”غرينتش”… وأمثال ذلك كثير كثير.
وهكذا كتبنا اسم مؤلفة هذه القصص ”أغاثا“ خلافاً لما كان شائعاً من كتابتها بالجيم. واستثنينا من الكتابة بالغَيْن فقط كلمة “إنكلترا” والنسبةَ إليها (إنكليز وإنكليزية) لشيوع كتابتها بالكاف بين المتعلمين وطلبة المدارس ولمناسَبة المخرج، فأثبتناها بالكاف كما هي هنا.
أما أكثر ما يربك فهو كتابة الحروف الصوتية الطويلة في الأسماء الأجنبية. ففي العربية ثلاثة أصوات طويلة لا غير: الألِف والواو والياء، أما في الإنكليزية فتوجد ثمانية أصوات طويلة: الألف المرقَّقة (كما في: cat)، والألف المفخَّمة (كما في: car)، والألف الممالة (كما في: care)، والواو المشبعة (كما في: boot)، والواو الممالة المرقَّقة (كما في: bone)، والواو الممالة المفخّمة (كما في: orange)، والياء المشبعة (كما في: me)، والياء الممالة (كما في: urgent). وقد قربنا -في الرسم العربي- كل أنواع الألف فكتبناها ألفاً، وكل أنواع الواو فكتبناها واواً، ونوعَي الياء فكتبناهما ياءً، ما عدا الألف الممالة التي اجتهدنا في كتابتها ياء (كما في Hastings، صاحب بوارو الشهير في كثير من الروايات، كتبناه هيستِنْغْز).
هذا ما اجتهدنا فيه وذهبنا إليه، آملين أن يكون اجتهادنا صحيحاً وأن نكون قد هُدينا فيه إلى الصواب؛ فيكون العمل الذي نقدمه إلى قرائنا سليماً صحيحاً معافى من العيوب. والله المستعان.
المحرّر