وُلد آرثر كونان دويل لأسرة متوسطة الحال في إدنبرة في سكتلندا في الثاني والعشرين من أيار (مايو) عام 1859، والتحق بكلية الطب فيها وعمرُه سبعة عشر عاماً. وكان من مدرّسيه في الكلية الجرّاحُ الشهير الدكتور جوزيف بِلْ، وهو الذي أوحى إليه بشخصية شيرلوك هولمز التي ابتكرها بعد ذلك.
في عام 1882 حصل دويل على شهادة الطب من جامعة إدنبرة، وكان يحلم بأن يصبح جرّاحاً وخبيراً في التشخيص مثل الدكتور بل، ولكن قلة المال اضطَرَّته إلى العمل طبيباً على سفينة لصيد الحيتان.
بعد ذلك مارس مهنته في منزل صغير استأجره في بعض ضواحي بورتْسماوث، ولكن عدد المرضى كان قليلاً فاتجه إلى الكتابة أملاً في الحصول على بعض الدخل الإضافي. وقد كتب بعضاً من قصص المغامرات لمجلّات الفتيان، ولكن أجره عنها كان ضئيلاً، وفشلت روايته الأولى في العثور على ناشر.
وفي غمرة إحساسه باليأس فكّر في أساليب الدكتور بل في التشخيص، وقرر أن يستخدمها في قصة يكون بطلها واحداً من رجال التحري. وهكذا وُلد شيرلوك هولمز في رواية “دراسة في اللون القِرْمِزي” التي نشرها دويل سنة 1887.
لقد ابتكر دويل شخصية تفيض بالحياة، حتى إن الجماهير رفضت أن تصدق أنها شخصية خيالية! وكان المؤلف يتلقى بانتظام خطابات موجَّهة إلى هولمز تطلب مساعدته في حل قضايا حقيقية، وبعض هذه القضايا أدى إلى كشف قدرة دويل نفسه.
واحدة من تلك الحوادث كانت عن رجل سحب كل أمواله من البنك وحجز غرفة في أحد فنادق لندن، ثم حضر حفلاً عاد بعده إلى فندقه حيث بدَّل ملابسه ثم اختفى. وعجز رجال الشرطة عن اكتشاف مكانه، وخشيت أسرته أن يكون قد أصيب بسوء، لكن دويل حلَّ المشكلة سريعاً إذ قال: “سوف تجدون رجلكم في غلاسكو أو إدنبرة، وقد ذهب هناك بمحض إرادته. إن سحب كل أمواله من البنك يشير إلى الهروب المتعمَّد، والحفل الذي كان فيه ينتهي في الساعة الحادية عشرة، ولمّا كان قد أبدل ملابسه بعد عودته فلا بدّ أنه كان ينوي القيام برحلة، والقطارات السريعة المتجهة إلى سكتلندا تغادر محطة كِنْغز كروس عند منتصف الليل”. وقد عُثر على الرجل في إدنبرة فعلاً!
كان آرثر كونان دويل رياضياً متعدد المواهب، فقد مارس الملاكمة وكرة القدم والبولينغ والكريكت، وكان خطيباً مفوَّهاً ومحاضراً ناجحاً ومحاوراً بارعاً، وقد ذاعت آراؤه وأفكاره المتنوعة في الطب والعلم والأدب والسياسة والاجتماع.
عام 1900 تطوّع الدكتور آرثر كونان دويل في حرب البُويِر (التي دارت في جنوب إفريقيا) وصار كبيراً للجرّاحين في واحد من المستشفيات الميدانية، وفي نهاية الحرب مُنح وسام الفروسية ولَقَبها “سيرْ” تقديراً لخدماته. وقد أصدر بعد عودته إلى إنكلترا كتاباً مهماً عن هذه الحرب.
توفي السير آرثر كونان دويل في السابع من تموز (يوليو) عام 1930 بعد أن بلغ الحادية والسبعين، بعد ثلاث سنوات من كتابة آخر قصصه عن شيرلوك هولمز وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً على أول ظهور علني لهذه الشخصية الخارقة.