ربما كان شيرلوك هولمز أشهرَ الشخصيات الخيالية في التاريخ، بل إنه يكاد يفوق في شهرته كثيراً من مشاهير العالم الحقيقيين. وقد بلغ من شهرة هذه الشخصية أنها فاقت شهرةَ مبتكرها، آرثر كونان دويل.
استوحى دويل شخصية هولمز وصفاته من الدكتور جوزيف بِلْ الذي درّسه في كلية الطب. كان الدكتور بِلْ يتمتع بموهبة عظيمة في الملاحظة وأسلوب التفكير المنطقي، وكان يثير اهتمام تلاميذه بقدراته الاستنتاجية الفذة، فهو لم يكن ماهراً فقط في التعرف على علل المرضى، بل وفي معرفة شخصياتهم ومِهَنهم وتفصيلات خفية عنهم أيضاً.
كان يقول لأحد المرضى مثلاً: “أنت ضابط سُرِّح من الجيش حديثاً، وقد عدتَ لتوّك من بربادوس، وأنت تعاني من داء الفيل”. وبعد أن تسيطر الدهشة على المريض والطلبة على السواء يشرح الدكتور بل الأمر قائلاً إن الرجل يبدو جندياً من هيئته، وعدم خلع قبعته عند دخوله الغرفة يدل على أنه ترك الخدمة حديثاً، وهو يملك مظاهر السلطة كتلك التي توجد لدى الضباط، وتدل بشرته التي لوّحتها الشمس والمرض الذي يشكو منه على أنه جاء من منطقة استوائية، وقد جاء من بربادوس لأن هذا المرض بالذات منتشر هناك!
“وُلد” شيرلوك هولمز (في عالَمه الخيالي) سنة 1854 وحصل على شهادة جامعية لم يحدّدها دويل، ثم احترف مهنة “محقق خاص” منذ نحو سنة 1878، وكان يقيم في شارع بيكر في العاصمة البريطانية لندن، ورقم البيت الذي يقيم فيه هو “221ب”. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن هذا العنوان (شارع بيكر، 221ب) هو أشهر عنوان في العصر الحديث! وقد برع هولمز في كشف الجرائم وحل الألغاز الغامضة بفضل دقة ملاحظته وقدرته العظيمة على الاستنتاج والتحليل المنطقي، بالإضافة إلى غزارة معلوماته واطّلاعه الواسع على العلوم المختلفة.
أما الدكتور واطسون، صديق هولمز ومساعده الذي يرافقه في قصصه كلها، فلا يكاد يقلّ شهرةً عن هولمز نفسه، وهو رَاوِيةُ القصص الذي يقصّها علينا (كما فعل بعد ذلك هيستنغز في كثير من مغامرات بوارو، المحقق الشهير الذي ابتكرته أغاثا كريستي). وُلد نحو سنة 1852 وحصل على شهادته الجامعية في الطب سنة 1878، ثم انضم إلى الجيش وشارك في الحملة الأفغانية، ثم عاد إلى بلده وتقاعد من الجيش بعدما أصيب في إحدى المعارك، وعندها تعرف إلى شيرلوك هولمز في مختبر الكيمياء بمستشفى ستامفورد أوائل سنة 1881، ولم يفترق الصديقان بعد ذلك قط.