شكا أحدُ الأصدقاء من نقصِ بعضِ الصفحات في رواية استلمها منا، وختم رسالته بكلمة عتاب قال فيها: “لم أتوقع مثل هذا الخطأ من دار الأجيال”.
لا شك أن المشكلة أزعجتنا، ولكننا نعترف بأن العبارة الختامية منحتنا قدراً كبيراً من الرضا والسعادة، لأنها دلّت على أن صديقنا القارئ يثق بنا وبجودة منتجاتنا بحيث بدا له غريباً أن يجد في واحدٍ من كتبنا مشكلةً من هذا النوع.
ولا ريب أن كل قارئ متمرس عانى في يوم من الأيام من كتاب وجد فيه صفحات ناقصة أو صفحات مكررة أو صفحات مقلوبة أو صفحات بيضاء. ونحن أيضاً قد تقع بعضُ هذه المشكلات في بعض كتبنا، وإنْ كانت نادرة جداً جداً بفضل الله ثم بفضل الرقابة الشديدة التي نبذلها في مراحل الطباعة المختلفة. فماذا نصنع عندما تواجهنا مشكلة من هذا النوع؟
أولاً: نعتذر من الصديق الذي تعرض للإحباط بسببها.
ثانياً: نوضح له سبب المشكلة، لأن “المعرفة” حق لقرائنا علينا، ويجب أن يعرفوا لماذا تحصل مثل هذه الأمور.
ثالثاً (وهو الأهم): نرسل للصديق الذي وصلته نسخةٌ فيها مشكلةٌ نسخةً جديدة على الفور.
والآن اسمحوا لنا أن نشرح سبب حصول هذا النوع من المشكلات الطباعية، ولتوضيحه علينا أولاً أن نذكر كلمة عن عملية الطباعة نفسها. فكيف تُطبَع الكتب؟
إن المطبعة لا تطبع الكتاب ورقةً ورقةً، بل تطبع “فَرخاً” كبيراً قد يكون مقاسه 100×70سم أو 90×60سم (القياس الثاني هو الذي يُستخدم في طباعة كتبنا) يُطبع على الوجهين ثم يُطوى ثلاثَ طَيّات فنحصل على مَطويّة تضم 16 صفحة مقاس كل منها بنفس مقاس الكتاب المطبوع. هذه المطوية هي “الوَحدة” الأساسية في طباعة الكتب، وتسمى “مَلْزَمَة”، وعدد صفحاتها دائماً 16 صفحة للسبب الذي أوضحناه قبل قليل. وقد تستعمل المطبعة نصف فرخ فتنتج نصف ملزمة، أي 8 صفحات، لذلك تتكون الكتب كلها دائماً من عدد صفحات هو مضاعفات 16، وقد تزيد عليه 8 صفحات في آخره، ولو تَمَّ الكتاب قبل تمام هذا العدد فسوف تبقى في آخره صفحات بيضاء.
فلو أردنا طباعة كتاب عدد صفحاته 320 (وهو العدد الشائع في روايات أغاثا الأجيال) فسوف يُطبع في 20 مَلزَمة، وبعد الطباعة تجمَّع الملازم فتتجمع صفحات الكتاب كلها معاً، ثم تمر عبر ماكينة الغراء فتُلصَق كل الملازم معاً من جهة الكعب، ثم يركَّب عليها الغلاف، وأخيراً تذهب لماكينات القص لتشذيب الأطراف الأربعة ويخرج الكتاب بشكله النهائي.
بعد هذه المقدمة عن طريقة الطباعة سنوضّح سبب حصول المشكلات المذكورة في عنوان المنشور.
أثناء تجميع الملازم يحصل أحياناً أن يسهو العامل عن ملزمة أو اثنتين أو يكرر سحب ملزمة بطريق الخطأ لو كان التجميع يدوياً، أو تسحب الماكينة ملزمتين أو تقفز من فوق إحدى الملازم لو كان التجميع آلياً، ومن هنا تحصل مشكلة النقص والزيادة، وهي دائماً بمضاعفات العدد 16 للسبب المذكور. وللسبب نفسه قد يجد القارئ بعض الصفحات مقلوبة، وستكون أيضاً بمضاعفات العدد 16، أي ملازم كاملة، وذلك بسبب قلب الملزمة أثناء التجميع.
أما البياض الذي يظهر في بعض الصفحات فإنه يكون بمضاعفات العدد 8 وليس بمضاعفات العدد 16، لأن آلة الطباعة تطبع الفرخ على الجهتين، تسحبه فتطبعه على الوجه الأول ثم تلفّه وتطبعه على الوجه الثاني، أي أنها تطبع 8 صفحات على كل جهة من جهتَي الفرخ الكبير، فإذا طُبع وجه واحد فقط (لأي سبب من أسباب مختلفة لا داعي لذكرها) سيبقى أحد الوجهين بلا طباعة، أي أن الصفحات المطبوعة ستكون 8 والبيضاء ستكون 8، وسوف تكون بنسق واحد يتكرر أربع مرات متتالية: صفحتان بيضاوان بعدهما صفحتان مطبوعتان.
إذا أردت أن تعرف كيف نحصل على “ملزمة” من “فرخ” كبير فأحضر ورقة واطوِها ثلاث مرات لتحصل على مطوية صغيرة، ثم عُدَّ الورقات الصغيرة التي حصلت عليها وسوف تجدها 8، فإذا رقّمت وجهَي كل ورقة ستحصل على 16 صفحة، وعندما تعيد فَرْدَ الورقة سترى كيف تتوزع الصفحات الستّ عشرة على جهتَي الفرخ الكبير قبل طَيّه، وستعرف لماذا يتكرر البياض في صفحتين بعد صفحتين عند حصول هذه المشكلة الطباعية.
أخيراً نحب أن نؤكد لأصدقائنا القراء أننا اخترنا أفضل المطابع لطباعة كتبنا، وزيادةً في الحرص أوفدنا إلى المطبعة مندوباً عنا أشرف على عملية الطباعة والتغليف من أول مراحلها إلى آخرها. لكنه لا يستطيع -بطبيعة الحال- أن يفحص كل نسخة من أصل أكثر من 100 ألف نسخة طبعناها مؤخراً، وإنما هو يتأكد من جودة الحبر المستخدَم في الطباعة وجودة ألوان الغلاف والغراء الذي يثبّت “مَلازم” الكتاب معاً واحترافية القص وبقية التفاصيل الفنية الأخرى، ويفحص نسخاً عشوائية كثيرة من النسخ المُعَدّة للتعبئة والشحن.
ولكن مهما بذل من جهد (هو وعمال المطبعة) فلا بد أن تحصل بعض المشكلات الفردية النادرة في بعض النسخ، وهنا يأتي علاج الأجيال المعتاد: اعتذارٌ عن المشكلة وشرح سببها وإرسال الكتاب البديل.