بفضل الله فإن أصدقاءنا الذين يحصلون على منشوراتنا يدركون جودتها العالية ويُعْجَبون بمستواها الرفيع، ولكنهم لا يعرفون القصة الحقيقية التي أنتجت تلك الأعمال المتقَنة، وها نحن نكشف لهم التفاصيل:
إن كل كتاب ننشره يمرّ بسبع مراحل قبل وصوله إلى القراء الكرام. المرحلة الأولى هي ترجمة النص الأصلي، وهو عمل مهم يصنعه أحد مترجمينا المعتمَدين القلائل الذين اصطفيناهم من نحو ألف مترجم قابلناهم وراجعنا ترجماتهم في عدة بلاد على مَرّ السنين. ثم ينتقل الكتاب إلى كبير مترجمي الدار ليراجعه مراجعة كاملة، وهو مترجم متمكن جداً ويتميز بإتقانه العالي للغتين العربية والإنكليزية معاً، وغالباً ينفق في مراجعة الترجمة من الوقت مثلَ الوقت الذي أنفقه فيها المترجمُ الأول.
ثم ينتقل الكتاب -في المرحلة الثالثة- إلى أحد المحررين فيتولى تصويب ما فيه من تطبيعات (أخطاء مطبعية) وتصحيح الأخطاء النحوية والإملائية لو وُجدت. ثم تأتي المرحلة الرابعة، وهي واحدة من أهم المراحل، ويتولاها رئيس التحرير الذي يعيد سَبْك النص وصياغته بحيث يقترب من الأسلوب العربي العالي بقدر الإمكان، وهو المسؤول عن إخراج النص في صورته النهائية، ومن هنا جاءت “هُويّة الأجيال الأدبية” حيث تتشابه روحُ النصوص المنشورة كلها وأساليبُها رغم اختلاف المترجمين.
المرحلة الخامسة هي الفحص الأخير للنص المطبوع للتأكد من خلوّه من أي خطأ مطبعي، ويقوم بها محرر مختص بمراجعة النصوص، وهي مهمة تسمى في أدبيات التحرير “تدقيق نسخة الطباعة”، فمن المقرر في عالم الكتابة والتحرير أن الكاتب والمحرر قد لا ينتبه للخطأ المطبعي لأنه يقرأ النص بعقله أكثر مما يقرؤه بعينيه.
ثم تنتقل الرواية -في المرحلة السادسة- إلى مصمم الغلاف الذي يُطلَب منه قراءتها بالكامل لاختيار صورة الغلاف المناسبة، وكثيراً ما يُضطر لإجراء تعديلات فنية على الصورة بعد اختيارها لتتفق مع وصف المؤلفة، كتعديل اسم باخرة “الكرنك” في رواية “جريمة فوق النيل” وشكل البيت في رواية “البيت الأعوج” وتفاصيل الجزيرة في رواية “ثم لم يبق أحد”. وعليه أن يختار أحياناً صورة تتفق مع زمن الرواية، مثل الطائرة في رواية “موت وسط الغيوم”. وفي بعض الأحيان تعترضه مشكلة خاصة عليه أن يحلها، فالبيت الذي وقعت فيه أحداث أول رواية ظهر فيها هيركيول بوارو “قضية ستايلز الغامضة” هو نفسه البيت الذي شهد خاتمة أعماله في “الستارة”، فكان على المصمم أن يختار صورتين للبيت نفسه مسبقاً، رغم أننا نشرنا الروايتين بفاصل يزيد على خمس سنوات.
وأخيراً تأتي المرحلة السابعة، وهي مرحلة التصميم الفنّي التي يتم فيها “إخراج” الرواية بمظهرها النهائي وفق القوالب المعتمَدة في “الأجيال”، وتشمل شكل ومقاس الحرف المستعمَل في متن النص وفي العناوين الرئيسية والفرعية، وتباعد الأسطر والفراغات بين الفقرات ومسافات الهوامش من الجهات الأربع. مع العلم بأننا حرصنا منذ وقت طويل على استعمال أفضل خط طباعي عربي واشتريناه بمبلغ باهظ من أكبر شركة لإنتاج الخطوط في العالم، وهو خط “لوتُس” من شركة لينوتايب، وهو الخط الذي صار “الخط الرسمي للأجيال” وحاز دائماً على إعجاب قرائنا الكرام.
هذه المراحل السبع بقيت لمدة عشرين عاماً منهجاً ثابتاً للعمل ألزمنا به أنفسَنا، ثم أضفنا أخيراً (مع الطبعة الأخيرة حصراً) مرحلةً ثامنة غيرَ مسبوقة. فقد عانينا في بعض الطبعات القديمة من مشكلات طباعية بسبب إهمال المطبعة واستهتار عمّالها، فاستُعملت أحياناً أنواع من الورق غير النوع المتفَق عليه، وفي بعض الأحيان كانت طباعة ألوان الغلاف دون المستوى الاحترافي المطلوب، وحصل ذات مرة أن استعملت إحدى المطابع غراء سيئاً تسبب في تفكّك أوراق الرواية، بل إن إحدى المطابع أسقطت ذات مرة الفصلين الختاميين من إحدى رواياتنا (البيت الأعوج) مما اضطَرّنا إلى تقديم اعتذار عام في موقعنا وعرض الفصلين الناقصين للتحميل المباشر في ملف عالي الدقة، وقد بقي هذا الملف متاحاً في موقعنا لأكثر من عشر سنوات.
لهذه الأسباب كلها، ولأننا ألزمنا أنفسنا بتقديم أفضل منتج يمكن تقديمه، فقد أضفنا إلى منهجنا السابق خطوة ثامنة، فأوفدنا إلى المطبعة مندوباً أشرف على الطباعة والتغليف في كل مراحل العمل وصولاً إلى مرحلة الشحن النهائي. كما أضفنا تحسينات لم يسبق تطبيقها من قبل، كنوع التغليف الذي استعملنا فيه موادَّ عازلةً من شأنها أن تحافظ على الكتب بحالتها الجديدة الأصلية في كل مراحل الشحن، مهما بلغت قسوة ظروف الشحن والتسليم. أما الورق الذي استعملناه في طباعة النسخ الجديدة من روايات أغاثا كريستي فهو أفضل ورق من نوعه في عالم النشر، وقد اخترناه بناء على توصية عدد كبير من القراء، ونرجو أن يحوز هذا الاختيار رضا وقبول جميع الأصدقاء.