سؤال يتكرر طرحُه علينا، وجوابه الذي يقدمه رئيس التحرير في “دار الأجيال” لقراء الدار الكرام هو الآتي:
علينا أن ندرك ابتداء أن الأسلوب الأدبي موهبة خَلقية مثل المواهب الفنية الأخرى: الشعر والرسم والموسيقى، ولكن الخبر الجيد هو أن الجهد البشري يزيد ويصقل أيَّ موهبة مهما كانت ضئيلة. وفي هذا المقام نتذكر الحكمة المنسوبة إلى أديسون، أعظم مخترعي العصر الحديث: “إن العبقرية عُشرها موهبة، وتسعةُ أعشارها الباقية عمل وجهد ومثابرة”.
إن كل واحد من المتحدثين باللغة يملك بذور الأسلوب الأدبي، فإذا أحسن رعايتها نَمَتْ وتعاظمت وإذا أهملها خَبَتْ وانتهت إلى الزوال. وسبيل رعايتها وتنميتها هو الإكثار من قراءة الكتابات البليغة ذات الأسلوب العالي والبيان الرفيع وتجنب قراءة الكتابات الضعيفة المتهافتة ذات الأسلوب السقيم، فإذا داوم المرء على السير في هذا الطريق فلا بد أن ترتقي سليقته ويتحسن أسلوبه وتصبح الكتابة البليغة عنده ممارسة تلقائية لا جهدَ فيها ولا تكلف.
وما هي الكتابات السقيمة التي يحسن بالمرء تجنبها والابتعاد عنها حتى لا تتشوه سليقته؟ أولها الكتابات المنتشرة في وسائل الإعلام العامة (ومثلها الوسائل المسموعة والمرئية) حتى إن أحد كبار اللغويين ألّف في مطلع القرن الماضي كتاباً عظيماً حذّر فيه من تأثر سليقتنا اللغوية بلغة الإعلام الركيكة، وهو كتاب “لغة الجرائد” للعلامة إبراهيم اليازجي.
وثانيها: معظم المادة المتداوَلة في وسائل التواصل الاجتماعي التي يجتمع فيها مزيج غريب من الركاكة والعجمة والعامية، حتى لَيَكاد يستحيل على من أدمن متابعتها أن يحتفظ بسليقة لغوية سليمة وأسلوب عربي فصيح رصين.
والثالثة هي الترجمات الرديئة التي يزدحم بها سوق النشر العربي، وأكثرها مكتوب بلغة كليلة وأسلوب مفكك ضعيف.
نصيحتنا لمن يريد تحسين أسلوبه وسليقته اللغوية أن يتبعد عن ذلك كله بقدر الوسع، وأن يحمل نفسه على قراءة كتب البلغاء التي يستفيد منها علماً وأدباً وبياناً عالياً، وهي كثيرة في تراثنا القديم وفي أدبنا المعاصر، فيقرأ -على سبيل المثال- مطوَّلات الأدب القديمة كالبيان والتبيين للجاحظ والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي والبصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي، ويقرأ مؤلفات ملوك البيان المعاصرين، ونرشح منهم المنفلوطي والرافعي والزيات وزكي مبارك وأحمد أمين وعلي الطنطاوي ومحمود شاكر ومن في طبقتهم من كبار الأدباء.