“إننا نشعر -ونحن نقرأ رواياتكم المترجَمة- أنها كُتبت باللغة العربية ولم تترجَم إليها من لغة أجنبية أخرى”
أردنا لمنشوراتنا أن تخرج متميزةً في سلامة لغتها وصحة صياغتها وقوة أسلوبها، فبذلنا في تحريرها غاية الجهد وأقصى الاهتمام، واضطررنا -في سبيل ذلك- إلى مراجعة المادة المترجَمة مرةً بعد مرة، غيرَ عابئين بما نصرفه من وقت أو نبذله من طاقة، حتى وصلنا إلى ما نحسبه عملاً مقبولاً يرضى عنه القارئ ويُرضينا نحن عن أنفسنا.
إن من مبادئنا الجوهرية التي حافظنا عليها في كل منشوراتنا أن لا يحتوي أي كتاب على أي نص غير مفهوم، فإذا استعصى معنى جملة أصلية على المترجم فإنه يستعين بغيره من مترجمي الدار، وقد تعقد -لترجمة بعض المقاطع الصعبة- لقاءات برئاسة كبير مترجمي الدار. ولدينا مثال لو ذكرناه لاستغرب منه أكثر القراء، فقد واجهتنا في ترجمة قصص شيرلوك هولمز بعض التعبيرات الغامضة التي استغرقت منا وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً لترجمتها، حتى إننا لم ندرك معانيها الدقيقة إلا في موقع يقدّم يشرح التعبيرات اللندنية (أو تعبيرات جنوب لندن على التحديد) التي كانت منشرة في أواخر القرن التاسع عشر! فانظروا إلى الجهد الهائل الذي نبذله في ترجمة أسطر معدودة كان من شأن أكثر الناشرين أن يقفزوا من فوقها أو يترجموها بأي ترجمة، سواء فهمها القارئ أم لم يفعل، وهو ما نتجنّبه بكل صرامة في “الأجيال” ولله الحمد.
مشكلة الروايات المترجَمة
عندما يكتب المؤلف المتمكن روايته بلغته الأم فإنها تظهر سلسة مترابطة لأنه كتبها بلغته الأصلية التي يحذقها ويتقن استعمال مفرداتها وتعبيراتها، وهو يحمّل المترجم حملاً ثقيلاً للمحافظة على البلاغة والسلاسة الأصلية في النص المترجَم. للأسف فإن أكثر الناشرين يفشلون في تقديم النص العربي بمثل سلاسة وبلاغة النص الأصلي لأنهم يعتمدون على مترجمين متوسطي القدرات ويحرصون على الربح السريع والإنتاج الكثير على حساب الجودة والاتقان.
هذه المشكلة عانى منها الجمهور العربي على الدوام، فمن القراء من يقطع القراءة ويترك الكتاب الذي بدأ بقراءته بسبب وعورة الأسلوب وعدم وضوح الترجمة، ومنهم من يقهر نفسه على الاستمرار مستسلماً لقدره ومتخلياً عن جزء كبير من متعة القراءة بسبب غياب السرد الشيّق السلس وكثرة الجمل المفككة والعبارات غير المفهومة. ومنهم آخرون هجروا قراءة الروايات المترجَمة وتحولوا لقراءتها بلغتها الأصلية، وهو خيار مفضول بالنسبة لهم لأن المرء يحب القراءة بلغته الأم التي يتذوقها ويستمتع بها ويقرأ نصوصَها بسهولة وسرعة، وهي كلها مزايا قَلّ أن يحصل عليها عندما يقرأ باللغة الأجنبية مهما بلغت درجة إتقانه لها وتمكنه منها
ما هو مستوى مترجمي “الأجيال”؟
عندما بدأنا بمشروع “الأجيال” نشرنا إعلانات وقابلنا مئات المترجمين في عدة بلدان عربية ووزّعنا عليهم “عيّنة ترجمة” قصيرة على سبيل الاختبار. اكتشفنا يومها أن المترجمين الأكفياء الذين يملكون “الموهبة” و”المهارة” قلّة في عالم الترجمة، لأن الترجمة هي -في جوهرها- “إعادة إنشاء” النص الذي كتُب بلغة المنشئ الأصلي بحيث يصبح مكتوباً بلغة المنشئ الجديد. أي أن المترجم الجيد يبنغي أن يكون كاتباً جيداً يجيد الكتابة باللغة العربية وليس حاذقاً باللغة الأجنبية فحسب، فلم نقبل للعمل معنا إلا من يملك الأسلوب العربي الرصين بالإضافة إلى الإلمام الواسع باللغة الإنكليزية، وبعد عملية نخل واصطفاء اخترنا عدداً قليلاً من المترجمين، دون العشرة، اصطفيناهم من نحو ألف مترجم تقدموا للامتحان.
خصائص ترجمة “الأجيال”
ترجمة الكلام لا ترجمة الكلمات
حرصنا قبل إطلاق مشروعنا على دراسة سوق النشر العربي وفحص ما فيه من روايات مترجَمة، فوجدنا أن أسوأ أنواعها هي التي تولاها مترجمون مبتدئون اعتمدوا أسلوب “ترجمة الكلمات بكلمات”. وهي طريقة سيئة لنقل نص أجنبي إلى اللغة العربية، لأن لكل لغة من اللغات أبنيتها الخاصة وسياقات كلماتها التي تختلف -تركيباً وتقديماً وتأخيراً- عن اللغات الأخرى. هذه الدرجة السيئة ليست شائعة جداً في الكتب العربية المترجمة لحسن الحظ، فأكثرها ينتمي إلى أسلوب “ترجمة الجُمَل” الذي يعتبر درجة متوسطة في الترجمة. في هذه الحالة تُنقل كلمات الجملة الأصلية إلى اللغة العربية ولكن دون التقيد بترتيبها الأصلي، بل يعاد ترتيبها في الجملة العربية باتباع قواعد التركيب العربي. هذه الترجمة يتقنها أكثر المترجمين الجيدين المحترفين، بتفاوت في الجودة وفي القدرة على نقل الجملة من البناء الأجنبي إلى البناء العربي. وهي ترجمة جيدة، ولكنها ليست الأجود بإطلاق.
أما الطبقة الأعلى في أساليب الترجمة فهي “ترجمة الكلام”، ولا يقدر عليها إلا قلّة من المترجمين المحترفين. في هذا النوع من الترجمة يقرأ المترجم الفقرة كلها ليستوعب ما يريد الكاتب قوله، وبعد ذلك يكتب النص -كما فهمه- بالكلمات العربية وبالسياق العربي. هذا هو الأسلوب الذي اعتمدناه في عملنا بتوفيق الله، ولعل اهتمام “الأجيال” بهذه المسألة تحديداً (وهو اهتمام يتكامل فيه عملُ المترجم مع عمل رئيس التحرير) هو الذي منح “الأجيال” هُويتها الأدبية المتميزة، وهو الذي جعل مئات القراء يكررون الجملة نفسها: “إننا نشعر -ونحن نقرأ رواياتكم المترجَمة- أنها كُتبت باللغة العربية ولم تترجَم إليها من لغة أجنبية أخرى”.
الترجمة المفهومة
كما ذكرنا في الفقرة السابقة عندما اختبرنا مئات المترجمين اكتشفنا أن عدداً هائلاً منهم يعانون من آفتين أساسيتين: أولاهما الترجمة الحرفية للنصوص وترجمتُها كلمةً كلمةً بدلاً من ترجمة مضمون الكلام، وثانيهما الافتقار إلى المنطقية وترجمة النص الأجنبي بعبارات عربية ليس لها معنى واضح في كثير من الأحيان. وهذه المشكلة من أكثر آفات الترجمة شيوعاً، فكثيراً ما يقرأ القراء كتباً عربية فيمرون بجمل كاملة لا يفهمون المقصود منها ولا يدركون الغرض من حشوها في الكتاب، ويكون عُذرُ المترجم دائماً: هذا هو النص الأصلي؛ أنا لم أصنع سوى نقل كلماته من اللغة الأصلية إلى اللغة العربية.
هذا العذر قد يقبله من المترجم ناشرون كثيرون، أما نحن في “الأجيال” فنقول له: إذا لم يفهم القارئ النصَّ الذي ترجمتَه فالعيب فيك وليس فيه، فالكلام إنما يُكتب ليُفهم، أي أن هدف الترجمة هو خدمة القارئ الذي سيقرأ النص المترجَم وليس خدمة كلمات النص الأصلي، ولو أن المؤلف كتب النص بلغتنا العربية لحرص على كتابته بكلمات نفهمها، وحيث إن المترجم هو “وكيل المؤلف” فهو المكلَّف بتقديم هذه الخدمة للقارئ العربي. من هنا حرصنا دائماً على تقديم ترجمات ليس فيها أي نص غامض غير مفهوم، ولا عبارة واحدة، وتركنا الحكم لقارئنا العزيز: هل فهمتَ ما قرأت؟ هل فهمته بسهولة وتلقائية أم كررت قراءة النص مرات وأجهدت عقلك لتفهم المقصود؟ وقد حصلنا دائماً على الجواب المُرْضي بفضل الله.
هُويّة “الأجيال” الأدبية
الذين قرؤوا كتبنا وجدوا فيها أسماء مترجمين مختلفين، لكنهم لاحظوا دائماً أن أسلوبها الأدبي واحد وأن لها “هُويّة أدبية” جامعة عامة تتسم بها كل المنشورات التي نشرناها حتى اليوم. فما السر؟ عندما أطلقنا مشروع “الأجيال” وبدأنا بترجمة الروايات إلى اللغة العربية اقتبسنا من عالم النشر الأجنبي واحدةً من خصائصه التي لا يعرفها عالَمُ النشر العربي، وهي “التحرير”. فالمؤلف العربي معتاد على نشر كتابته كما يكتبها بقلمه ولا يستعين بأحد لمراجعة النص، وحتى في الحالات التي يُستعان فيها بمصحح أو مراجع فإنما يقتصر دوره على تصحيح الأخطاء النحوية وتصويب الغلطات الطباعية فحسب. ولا ريب أن في كتّابنا العرب قامات سامقة ونماذجَ عاليةً في البيان، ولكن كثيرين منهم يملكون المعلومات والأفكار ولا يملكون المستوى العالي في التعبير، ومن ثَمّ تأتي كتاباتُهم في مراتب متوسطة من جودة الأسلوب، أو هي دون الوسط في بعض الأحيان، حتى لو كانت ثريّة بالمحتوى المعرفي.
أما المؤلفون الأجانب فقد أدركوا منذ وقت طويل أن المؤلف الذي يملك الفكرة والمعلومة لا يملك القدرة الكاملة على التعبير عنهما بالضرورة، فنشأت في عالم النشر الأجنبي طبقة وسيطة بين المؤلفين والقراء، هي طبقة المحررين. فما هي مهمتهم؟ إنهم لا يغيرون المحتوى نفسَه بالتأكيد، ولكنهم يصححون الأخطاء النحوية والمطبعية، ويهتمون بضبط علامات الترقيم، ويغيّرون تقسيم النص إلى جُمَل وفقرات، ويعيدون سبك النص كله ليصبح أفصحَ وأعلى بياناً ويخلو من العيوب الأسلوبية ومن مشكلات الكتابة الشائعة.
وقد اقتبسنا هذا الأسلوب وطبقناه في “الأجيال”، فكان “رئيس التحرير” هو أول من دخل إلى المؤسسة، قبل المترجمين وقبل فريق التحرير والتدقيق، وما يزال هو نفسُه على رأس العمل التحريري في الدار حتى اليوم، ولم يحصل قَطّ أن نشرنا أي كتاب إلا بعد خضوعه لتحريره الشامل الذي يمنحه هويتنا الأدبية المتميزة.
منهجنا في التحرير
أردنا لمنشوراتنا أن تتميز في سلامة لغتها وصحة صياغتها وقوة أسلوبها، فبذلنا في تحريرها غاية الجهد وأقصى الاهتمام، واضطررنا -في سبيل ذلك- إلى مراجعة المادة المترجَمة مرةً بعد مرة، غيرَ عابئين بما نصرفه من وقت أو نبذله من طاقة، حتى وصلنا إلى ما نحسبه عملاً مقبولاً يرضى عنه القارئ ويُرضينا نحن عن أنفسنا. وقد أحببنا أن نضع بين يدي القارئ هذه الملاحظات حول الأسلوب الذي اتبعناه في المراجعة والتحرير:
ففي اللغة نَهَجْنا اعتمادَ الفصاحة بلا تكلّف، فاعتمدنا من الألفاظ الدائرة على ألسنة الناس ما وافق العربية، وتجنبنا كل لفظ غريب. وفي هذا المقام كرّسنا ما اعتمده مجمع اللغة العربية ووافق عليه مما ورد في معجمه “الوسيط”، مثل “السَّلَطة” و”الكُشك”، ومثل قولهم: “سرَّحَ العامل” (بمعنى أخلاه وصرفه من عمله) و”أشَّرَ على الكتاب” (أي وضع عليه إشارة برأيه)، ومثل هذا كثير.
وقد تنبّهنا إلى بعض المفردات مما يُخلَط فيه بين المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، “فالمستشفى” مذكّر يُؤنَّث خطأً، و”الحماس” بالتذكير لفظ غير موجود في اللغة، بل هي “الحماسة” بالتأنيث، والرأس مذكّر لا يجوز تأنيثه (كما يشيع في الكتابات المصرية خاصة). وكذلك تنبّهنا إلى بعض ما درَجَ على الألسنة والأقلام من مفردات غير صحيحة، فأبدلنا بها ما صحَّ وسُمِعَ عن العرب في هذا المقام، مثل قولهم: “خصّيصاً” والصواب “خصوصاً”، و”جاؤوا سويّةً” والصواب “جاؤواً معاً” لأن “سويّة” تعني الاستواء والعدل (كقولك: قسمت المال بينهم بالسوية)، و”المجوهرات”، وهو جمع غريب لم يُسمَع، والصحيح “الجواهر”، ومثل ذلك كثير.
وفي أسماء الشهور اخترنا كتابة الاسم العربي للشهر متبوعاً بالاسم الأعجمي بين قوسين، لأن من بلدان العرب (مع الأسف) من لا يعرف أهلها أسماءَ الشهور العربية، كأهل مصر وأكثر بلاد الجزيرة العربية وبلدان المغرب العربي كلها. فنكتبها بهذه الطريقة: حزيران (يونيو)، تشرين الثاني (نوفمبر)، إلخ.
وفي الإملاء: كتبنا “إذن” بالنون مطلقاً، عملت أو لم تعمل، وهو مذهب الأكثرين من أهل اللغة، وكان المبرّد يقول: “أشتهي أن أكوي يد مَن يكتب إذن بالألف، لأنها مثل أن ولن”. وفي بعض الألفاظ التي يجوز فيها الوصل والفصل (مثل: قلَّ ما) اخترنا الوصل مطلقاً فكتبناها: “قلّما” أسوةً بأمثالها؛ فقد اتفقوا على أن يكتبوا بالوصل “ممّا” (من ما) و”عمّا” (عن ما) و”إلّا” (إن لا)، ومثلها: “إنّما” و”حيثما” و”كيفما”، إلخ. واخترنا في لفظ “مئة” كتابتها من غير ألف، وهو رأيٌ لكثير من العلماء نقله السيوطي في “همع الهوامع” واعتمده عبد الغني الدقر في “معجم قواعد اللغة العربية”، قال: “وهو أقرب إلى الصواب”. وفي عدد المئات (كثلاثمئة وخمسمئة، الخ) اخترنا كتابتها متصلةً غير منفصلة (لا كما يفعل بعضهم فيكتبونها: ثلاث مئة وخمس مئة، إلخ).
وحرصنا -في الطبع- على أن تُثبَت همزات القطع وتُحذَف همزات الوصل، وهو الصحيح في الكتابة. وحرصنا على عدم الوقوع في الخطأ الذي يقع فيه كثيرٌ من الطابعين إذ يخلطون بين الألف المقصورة والياء المتطرفة في آخر الكلمة فينقطون الاثنتين أو يجردونهما كلتيهما من النقط، ومثل ذلك بالنسبة للتاء المربوطة والهاء المتطرفة. وحرصنا -أيضاً- على إثبات تنوين الفتح مطلقاً، وأثبتنا تنوين الضم والكسر في كل حالة خشينا فيها الالتباس.
وكذلك أثبتنا علامات الشَّكل الأصلية (الفتحة والضمة والكسرة والسكون) في كل حالة يُخشى فيها الالتباس، كالتفريق بين الفعل المبني للمجهول والمبني للمعلوم، وبين فعلَي المضارع والأمر، والمثنى وجمع المذكر السالم في حالَي النصب والجر، وغير ذلك. وحرصنا على إثبات الشَدّة -خصوصاً- في غير المواضع المدرَكة سليقةً، إذ هي دلالة على حرف محذوف.
أما علامات الترقيم (من نقطة وفاصلة وعلامة استفهام وغيرها)، فقد أوليناها كل عناية ممكنة، فهي -كما سمّاها بعض الأدباء- “علاماتٌ للتفهيم”، بها يتم المعنى ويَضِحُ المقصود. واتّبعنا في تحديد العلامات ومواضعها الأصولَ التي اعتمدها أهل البحث واللغة، وعلى رأسهم العلامة أحمد زكي باشا في كتابه القيّم “الترقيم وعلاماته في اللغة العربية” مع بعض التصرف بما يوافق الأصول الحديثة المتّبَعة في عالَم النشر في هذا العصر.
وأخيراً نظرنا في كتابة الحروف الأجنبية التي ليس لأصواتها مقابل في لغتنا العربية، فوجدنا القوم قد اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً. فأما الباء الشديدة (p) فقد كتبوها باء بثلاث نقاط، فاعتمدنا لها الباء العادية، إذ ليس من المتيسّر في الصف والطباعة توفير باء مثلثة، كما أن هذا الرسم غيرُ متفَقٍ عليه ولا هو معتمَد من جهة علمية ذات شأن كمجمع اللغة العربية. وكذلك فعلنا في الحرف (v) فكتبناه فاء عادية بنقطة واحدة.
أما الحرف الذي أثار أكبر اضطراب فهو الحرف (g) الذي يسمّونه “جيماً مصرية”. فلأجل نطق أهل مصر الجيم بهذا الصوت اعتمد له كثيرون صورة الجيم، ولكن لو تأمّلت مَخرَج هذا الحرف ومَخرَج الجيم لوجدتهما متباعدَين تباعداً بيّناً، ولوجدت أن ما يقاربه في لغتنا مَخرجاً (في النطق) هي الغين والقاف والكاف. وقد كان هذا الصوت يُكتَب -فيما نُقل قديماً عن الفارسية- كافاً فوقها خط، وهي صورة لم يُتّفَق عليها فماتت واندثرت. وأهل الخليج يكتبون -اليوم- هذا الصوت قافاً، ويكتبه آخرون غَيْناً، وهو ما اخترناه لما وجدنا من قوة الدليل عليه. وانظر كيف كتبوا أكثر ما عرّبوا من أسماء البلدان كذلك فقالوا: “البرتغال” و”غانا” و”السنغال” و”بلغاريا” و”غرينتش”… وأمثال ذلك كثير كثير. وهكذا كتبنا اسم مؤلفة هذه القصص ”أغاثا“ خلافاً لما كان شائعاً من كتابتها بالجيم. واستثنينا من الكتابة بالغَيْن فقط كلمة “إنكلترا” والنسبةَ إليها (إنكليز وإنكليزية) لشيوع كتابتها بالكاف بين المتعلمين وطلبة المدارس ولمناسَبة المخرج، فأثبتناها بالكاف كما هي هنا.
أما أكثر ما يربك فهو كتابة الحروف الصوتية الطويلة في الأسماء الأجنبية. ففي العربية ثلاثة أصوات طويلة لا غير: الألِف والواو والياء، أما في الإنكليزية فتوجد ثمانية أصوات طويلة: الألف المرقَّقة (كما في: cat)، والألف المفخَّمة (كما في: car)، والألف الممالة (كما في: care)، والواو المشبعة (كما في: boot)، والواو الممالة المرقَّقة (كما في: bone)، والواو الممالة المفخّمة (كما في: orange)، والياء المشبعة (كما في: me)، والياء الممالة (كما في: urgent). وقد قربنا -في الرسم العربي- كل أنواع الألف فكتبناها ألفاً، وكل أنواع الواو فكتبناها واواً، ونوعَي الياء فكتبناهما ياءً، ما عدا الألف الممالة التي اجتهدنا في كتابتها ياء (كما في Hastings، صاحب بوارو الشهير في كثير من الروايات، كتبناه هيستِنْغْز).